سورة القمر - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القمر)


        


قوله عز وجل: {اقتربت الساعة} أي دنت القيامة {وانشق القمر} قيل: فيه تقديم وتأخير تقديره انشق القمر واقتربت الساعة وانشقاق القمر من آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم الظاهرة ومعجزاته يدل عليه ما روي عن أنس: «أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين».
أخرجه البخاري ومسلم. وزاد الترمذي فنزلت {اقتربت الساعة وانشق القمر} إلى قوله: {سحر مستمر} ولهما عن ابن مسعود. قال: «انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا» وفي رواية أخرى قال: «بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى إذ انفلق القمر فلقتين، فلقة فوق الجبل، وفلقة دونه. فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا» ولهما عن ابن عباس قال: «إن القمر انشق في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم».
(م) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقتين فستر الجبل فلقة وكانت فلقة فوق الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا» وعن جبير بن مطعم قال: «انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين فقالت قريش سحر محمد أعيننا، فقال بعضهم لئن كان سحرنا ما يستطيع أن يسحر الناس كلهم» أخرجه الترمذي وزاد غيره فكانوا يتلقون الركبان فيخبرونهم بأنهم قد رأوه فيكذبونهم.
قال مقاتل: انشق القمر ثم التأم بعد ذلك. وروى مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش: سحركم ابن أبي كبشة فسألوا السفارة فقالوا: نعم. قد رأيناه فأنزل الله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر}. فهذه الأحاديث الصحيحة قد وردت بهذه المعجزة العظيمة، مع شهادة القرآن المجيد بذلك فإنه أدل دليل وأقوى مثبت له وإمكانه لا يشك فيه مؤمن وقد أخبر عنه الصادق فيجب الإيمان به واعتقاد وقوعه.
وقال الشيخ محيي الدين النووي في شرح صحيح مسلم، قال الزجاج: وقد أنكرها بعض المبتدعة المضاهين المخالفي الملة وذلك لما أعمى الله قلبه ولا إنكار للعقل فيها لأن القمر مخلوق لله تعالى يفعل فيه ما يشاء كما يفنيه ويكوره في آخر أمره. فأما قول بعض الملاحدة لو وقع هذا النقل متواتراً واشترك أهل الأرض كلهم في رؤيتهم له ومعرفته ولم يختص بها أهل مكة فأجاب العلماء عن هذا بأن هذا الانشقاق حصل في الليل ومعظم الناس نيام غافلون والأبواب مغلقة وهم مغطون بثيابهم فقل من يتفكر في السماء أو ينظر إليها إلا الشاذ النادر.


{ولقد جاءهم} يعني أهل مكة {من الأنباء} أي من أخبار الأمم الماضية المكذبة في القرآن {ما فيه مزدجر} أي منتهى وموعظة {حكمة بالغة} يعني القرآن حكمة تامة قد بلغت الغاية {فما تغني النذر} يعني أي غنى تغني النذر إذا خالفوهم وكذبوهم {فتول عنهم} أي أعرض عنهم نسختها آية القتال {يوم يدع الداع} أي اذكر يا محمد يوم يدع الداعي وهو إسرافيل ينفخ في الصور قائماً على صخرة بيت المقدس {إلى شيء نكر} أي منكر فظيع لم يروا مثله، فينكرونه استعظاماً له {خشعاً} وقرئ خاشعاً {أبصارهم} أي ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب {يخرجون من الأجداث} يعني من القبور {كأنهم جراد منتشر} مثل في كثرتهم وتموج بعضهم في بعض حيارى فزعين.


{مهطعين} مسرعين مادي أعناقهم مقبلين {إلى الداع} يعني إلى صوت الداعي وهو إسرافيل وقيل ناظرين إليه لا يقلعون بأبصارهم {يقول الكافرون هذا يوم عسر} أي صعب شديد وفيه إشارة إلى أن ذلك اليوم يوم شديد على الكافرين لا على المؤمنين.
قوله تعالى: {كذبت قبلهم} أي قبل أهل مكة {قوم نوح فكذبوا عبد نا} يعني نوحاً {وقالوا مجنون وازدجر} أي زجروه على دعوته ومقالته بالشم والوعيد بقولهم {لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين} {فدعا} يعني نوحاً {ربه} وقال {إني مغلوب} أي مقهور {فانتصر} أي فانتقم لي منهم {ففتحنا أبواب السماء} قيل هو على ظاهره وللسماء أبواب تفتح وتغلق ولا يستبعد ذلك لأنه قد صح في الحديث أن للسماء أبواباً. وقيل: هو على الاستعارة، فإن الظاهر أن يكون المطر من السحاب {بماء منهمر} أي منصب انصباباً شديداً لم ينقطع أربعين يوماً {وفجرنا الأرض عيوناً} أي وجعلنا الأرض كلها عيوناً تسيل بالماء {فالتقى الماء} يعني ماء السماء وماء الأرض {على أمر قد قدر} أي قضى عليهم في أم الكتاب.
وقيل قدر الله أن يكون الماءان سواء فكانا على ما قدر {وحملناه} يعني نوحاً {على ذات ألواح} يعني سفينة ذات ألواح. وأراد بالألواح، خشب السفينة العريضة. {ودسر} هي المسامير التي تشد بها الألواح وقيل الدسر صدر السفينة. وقيل: هي عوارض السفينة وأضلاعها.
وقيل: الألواح: جانبا السفينة، والدسر: أصلها وطرفاها. {تجري} يعني السفينة {بأعيننا} يعني بمرأى منا. وقيل: بحفظنا. وقيل: بأمرنا {جزاء لمن كان كفر} يعني فعلنا ذلك به وبهم من إنجاء نوح وإغراق قومه ثواباً لنوح لأنه كان كفر به وجحد أمره. وقيل لمن بمعنى لما أي جزاء لما كان كفر من أيادي الله ونعمه عند الذين أغرقهم. وقيل: جزاء لما صنع بنوح وأصحابه.

1 | 2 | 3